إنّ الإنسان أي إنسان، في أي مكانٍ وزمان يجد نفسه مندفعاً إلى تحقيق شهواته، يندفع إلى الطعام، وإلى الجنس الآخر، وإلى كسب المال، وإلى أن يكون ذا شأنٍ في الحياة، هذه الشهوات لماذا أودعها فيك ربُّ الأرض والسماوات ؟ هل من أجل أن يفتنك ؟ مستحيل، من أجل أن يوقعك في شباك الشهوة ؟ من أجل أن يدفعك إلى المعصية، إنه خالقٌ عظيم، وهذا الكون يؤكِّد عظمته لا يفعل هذا ؟ إذاً لا بدَّ من أن الله سبحانه وتعالى حينما أودع فيك هذه الشهوات إنما أودعها لترقى بها إلى رب الأرض والسماوات، ما أودعها فيك إلا لتكون هذه الشهوة دافعاً لك إليه، مُحَرِّكاً إلى التقرب منه، كيف تتقرَّب من الله عزَّ وجل إذا لم تكن تحبُّ المال ؟ لأنك تحب المال، وإذا أنفقت المال في سبيله تشعر بالقرب، تشعر بالمؤاثرة، تشعر بأنك فعلت شيئاً عظيماً، لو أن هذا المال لا يساوي عندك إلا التراب فما قيمة إنفاقه ؟ كيف ترقى بغض البصر إن لم يحبِّب إليك الله النساء ؟ ما قيمة غضِّ البصر ؟ تغضُّ البصر فترقى إلى الله عزَّ وجل، يتزوج الإنسان فيرقى، يرقى بالزواج شكراً، ويرقى بغض البصر صابراً، تكسب المال الحلال فترقى، ترقى شاكراً، وتترَفَّع عن المال الحرام فترقى صبراً، تكظم غيظك فترقى صابراً، لولا أنك تغضب، فما قيمة كظم الغيظ ؟ لولا أنَّك تستغفر فما قيمة الحلم ؟ لولا أنك تخاف فما قيمة التوَكُّل ؟ إذاً الله سبحانه وتعالى حينما أودع فيك هذه الشهوات إنما أودعها فيك لترقى إلى رب الأرض والسماوات.